كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


عدوا من ثمرات سوء الظن المنهي عنه التجسس فإن القلب المريض لا يقع بالظن فيتطلب التحقيق فيشتغل بالتجسس فيقع في سوء الظن بالذم‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ في الأدب ‏(‏ك‏)‏ في الحدود كلاهما من رواية إسماعيل بن عياش ‏(‏عن جبير بن نفير‏)‏ بنون وفاء مصغراً ابن مالك الحضرمي الحمصي ثقة جليل أسلم في حياة النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم باليمن وروى عن أبي بكر وعمر ولأبيه صحبة قال في التقريب لأنه ما وفد إلا في عهد عمر، وقال أبو زرعة‏:‏ جبير هذا عن أبي بكر مرسل ‏(‏وكثير بن مرة‏)‏ الحضرمي الجهيني الحمصي قال الذهبي أورده عبدان في الصحابة وهو تابعي مشهور قد أرسل، انتهى، وسبقه ابن الأثير في الأسد فقال عن أبي موسى كثير هذا حديثه مرسل ولم يذكره في الصحابة غير عبدان وفي التقريب كثير ثقة من الثالثة ‏(‏والمقدام وأبي أمامة‏)‏ ورواه أيضاً أحمد والطبراني عنهما ورجاله ثقات ذكره الهيثمي‏.‏

1957 - ‏(‏إن الإيمان ليخلق‏)‏ أي يكاد أن يبلى ‏(‏في جوف أحدكم‏)‏ أيها المؤمنون ‏(‏كما يخلق الثوب‏)‏ وصفه على طريق ‏[‏ص 324‏]‏ الاستعارة شبه الإيمان بالشيء الذي لا يستمر على هيئته والعبد يتكلم بكلمة الإيمان ثم يدنسها بسوء أفعاله فإذا عاد واعتذر فقد جدد ما أخلق وطهر ما دنس ‏(‏فاسألوا اللّه تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم‏)‏ حتى لا يكون لقلوبكم وجهة لغيره ولا رغبة لسواه ولهذا قال معاذ لبعض صحبه اجلس بنا نؤمن أي نذكره ذكراً يملأ قلوبنا وكان الصديق يقول كان كذا لا إله إلا اللّه فقلت كذا لا إله إلا اللّه فلا يتكلم بكلمة إلا ختمها به‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ عن ابن عمر بن الخطاب قال الهيثمي وإسناده حسن ‏(‏ك عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص قال الحاكم ورواته ثقات وأقره الذهبي وقال العراقي في أماليه حديث حسن من طريقيه‏.‏

1958 - ‏(‏إن الإيمان ليأرز‏)‏ بلام التوكيد ثم همزة ساكنة ثم راء مهملة ثم زاي معجمة أي لينضم ويلتجي ‏(‏إلى المدينة‏)‏ النبوية يعني يجتمع أهل الإيمان فيها وينضمون إليها وفيه أن الإيمان يزيد وينقص ‏(‏كما تأرز الحية إلى جحرها‏)‏ بضم الجيم أي كما تنضم وتلجأ إليه إذا انتشرت في طلب ما تعيش به فراعها شيء فرجعت إلى جحرها فكذلك أهل الإيمان يقال أزرت الحية إذا رجعت إلى ذنبها القهقرى شبه انضمامهم إليها بانضمام الحية إذا رجعت لأن حركتها أشق لمشيها على بطنها والهجرة إليها كانت مشقة كما يشير إليه لفظ يأرز الذي حروفه شديدة دون تنضم قال القاضي‏:‏ معناه أن الإيمان أولاً وآخراً بهذه الصفة لأن في أول الإسلام كان كل من خلص إيمانه وصح إسلامه جاء المدينة مهاجراً متوطناً أو متشوقاً إلى رؤية المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ومتعلماً منه ومستقرباً ثم بعد هذا في زمن الخلفاء كذلك ثم من بعدهم من العلماء لأخذ السنن عنهم ثم في كل وقت إلى زمننا لزيارة قبره الشريف والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار أصحابه فلا يأتيها إلا مؤمن ثابت الإيمان وفي التشبيه رمز إلى أنهم ينضمون إليها بلا عوج كدخول الحية جحرها فإنه بلا عوج، قيل وأراد بالمدينة جميع الشام لأنها منه وخصها لشرفها، ثم قيل إن ذا يعم كل زمن وقيل يختص بحياته ثم القرون الثلاثة بعده وفيه صحة مذهب أهلها وسلامتهم من البدع إلى آخر زمن الخلفاء الراشدين‏.‏

- ‏(‏حم ق ه عن أبي هريرة‏)‏ ورواه مسلم من طريق أخرى بلفظ ليأرز بين المسجدين ورواه البغوي في المعجم بلفظ ليأرزن الإسلام إلى ما بين المسجدين وفي الباب سعد بن أبي وقاص وغيره‏.‏

1959 - ‏(‏إن البركة تنزل في وسط الطعام‏)‏ بسكون السين قال الحافظ العراقي يحتمل إرادة الإمداد من اللّه تعالى ‏(‏فكلوا‏)‏ ندباً ‏(‏من حافاته‏)‏ أي جوانبه وأطرافه كل يأكل مما يليه ‏(‏ولا تأكلوا من وسطه -أي في ابتداء الأكل أي يكره ذلك تنزيهاً والخطاب للجماعة أما المنفرد فيأكل من الحافة التي تليه، وعليه تنزل رواية حافته بالإفراد-‏)‏ ندباً لكونه محل تنزلات البركة قال ابن العربي‏:‏ البركة في الطعام تكون بمعان كثيرة منها استمراء الطعام ومنها صيانته عن مرور الأيدي عليه فتتقذر النفس منه ومنها أنه إذا أخذ الطعام من الجوانب يتيسر عليه شيئاً فشيئاً وإذا أخذ من أعلاه كان ما بقي بعده دونه في الطيب ومنها ما يخلق اللّه من الأجزاء الزائدة فيه‏.‏

- ‏(‏ت ك‏)‏ في الأطعمة ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي‏.‏

1960 - ‏(‏إن البيت‏)‏ يعني الموضع ‏(‏الذي فيه الصور‏)‏ أي ذوات الأرواح وإن لم يكن لها ظل عند الجمهور لا صورة ‏[‏ص 325‏]‏ ما لا روح فيه كشجر ‏(‏لا تدخله الملائكة‏)‏ ملائكة الرحمة والبركة، لا الحفظة فإنهم لا يفارقون وذلك زجر لصاحب البيت ولأن في اتخاذها تشبهاً بالكفار فإنهم يتخذونها في بيوتهم ويعظمونها فتصوير ما له روح حرام كما مر ويجيء، وشمل الحديث الصور الممتهنة كالتي على البسط وبه صرح الخطابي لكن نازع فيه بعضهم وإذا حصل الوعيد لصانعها فهو حاصل لمستعملها لأنها لم تصنع إلا لتستعمل فالصانع سبب والمستعمل مباشر فهو أولى‏.‏

- ‏(‏مالك‏)‏ في الموطأ ‏(‏ق عن عائشة‏)‏ قالت اشتريت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل فعرف أو عرفت في وجهه الكراهة فقلت يا رسول اللّه أتوب إلى اللّه وإلى رسوله فماذا أذنبت قال فما بال هذه النمرقة‏؟‏ قلت اشتريتها لك تقعد عليها وتتوسدها فقال إن أصحاب هذه الصور يعذبون فيقال لهم أحييوا ما خلقتم ثم قال إن البيت إلخ‏.‏

1961 - ‏(‏إن البيت الذي يذكر اللّه فيه‏)‏ بأي نوع من أنواع الذكر ‏(‏ليضيء لأهل السماء‏)‏ أي الملائكة ‏(‏كما تضيء النجوم لأهل الأرض‏)‏ أي كإضاءتها لمن في الأرض من الآدميين وغيرهم من سكانها ثم يحتمل أن المراد يضيء حالة الذكر فيه ويحتمل دوام الإضاءة وعبر بالمضارع ليفيد التجدد والحدوث وهذه الإضاءة إما حقيقة أو من مجاز التشبيه كما حكي عن القرطبي والإضاءة فرط الإنارة والإشراق فهي أعلى من النور بدليل ‏{‏جعل الشمس ضياء والقمر نوراً‏}‏‏.‏

- ‏(‏أبو نعيم في المعرفة‏)‏ أي في كتاب معرفة الصحابة ‏(‏عن سابط‏)‏ بن أبي حميصة بن عمرو بن وهب بن حذفة بن نجيح القرشي والد عبد الرحمن‏.‏

1962 - ‏(‏إن الحجامة في الرأس‏)‏ أي في وسطه ‏(‏دواء من كل داء‏)‏ وأبدل منه قوله ‏(‏الجنون والجذام‏)‏ بضم الجيم الداء المعروف ‏(‏والعشا‏)‏ بفتح العين والقصر أي ضعف البصر أو عدم الإبصار ليلاً والظاهر أن المراد هنا الأول قال في الصحاح وغيره العشا مقصور الأعشى وهو من لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار والعشوى الناقة التي لا تبصر أمامها فهي تخبط بيديها كل شيء وركب فلان العشوى إذا خبط أمره على غير بصيرة وعشا إلى النار إذا استدل عليها ببصر ضعيف وعشا عنه أعرض ومنه قوله تعالى ‏{‏ومن يعش عن ذكر الرحمن‏}‏ وفسر بعضهم الآية بضعف البصر يقال عشا يعشو إذا ضعف بصره ‏(‏والبرص‏)‏ الأبيض والأسود على ما اقتضاه الإطلاق وهو بثر يعرض في البشرة يخالف لونها وسببه سوء مزاج الإنسان وخلل في طبيعته كما ذكر الأطباء أن من افتصد فأكل مالحاً فأصابه بهق أو جرب فلا يلومن إلا نفسه ‏(‏والصداع‏)‏ وجع الرأس كما في الصحاح وغيره يروى أن هذا ونحوه مخصوص بأهل الحجاز وما يجري مجراهم من الأقطار الحارة‏.‏

- ‏(‏طب عن أم سلمة‏)‏ أمّ المؤمنين‏.‏

1963 - ‏(‏إن الحياء والإيمان في قرن‏)‏ لا ينفك أحدهما عن الآخر أي مجموعان متلازمان ‏(‏فإذا سلب أحدهما تبعه الآخر‏)‏ أي إذا نزع من العبد الحياء تبعه الإيمان وعكسه وأصل السلب بالسكون الأخذ قال في البارع والسلب بالفتح كل ما على الإنسان من لباس قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز سلبه فؤاده وعقله واسلبه وهو مسلوب العقل وشجرة سليب أخذ ورقها وثمرها وناقة سلوب أخذ ولدها‏.‏

- ‏(‏هب عن ابن عباس‏)‏ وفيه محمد بن يونس الكريمي الحافظ قال ابن عدي اتهم بالوضع وقال ابن حبان كان يضع على الثقات قال الذهبي قلت انكشف عندي حاله والمعلى بن الفضل أورده الذهبي في الضعفاء وقال له مناكير‏.‏

‏[‏ص 326‏]‏ 1964 - ‏(‏إن الحياء والإيمان قرنا جميعاً‏)‏ ببناء قرنا للمفعول أي جمعهما اللّه تعالى ولازم بينهما فحيثما وجد أحدهما وجد الآخر، قال في الصحاح وغيره قرن الشيء بالشيء وصله به وقرن بينهما جمعهما والاسم القران بالكسر قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز هي قرينة فلان لامرأته وهنّ قرائنه أي زوجاته ‏(‏فإذا رفع أحدهما رفع الآخر‏)‏ ومن أمثالهم وجه بلا حياء عود قشر ليطة أو سراج في سليطة، ومحصول الخبر أن عدم الحياء يدل على عدم الإيمان وقلته تدل على ضعفه وكثرته على قوته‏.‏

- ‏(‏ك هب عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وفيه جرير بن حازم أورده الذهبي في الضعفاء وقال تغير قبل موته‏.‏

1965 - ‏(‏إن الخصلة‏)‏ بفتح الخاء المعجمة ‏(‏الصالحة‏)‏ من خصال الخير ‏(‏تكون في الرجل‏)‏ ذكر الرجل غالبي والمراد الإنسان في هذا وفيما بعده ‏(‏فيصلح اللّه له بها عمله كله-كما يصلح النحاس ونحوه بالاكسير يوضع عليه، ولينظر كيف الإصلاح هل هو ترك المؤاخذة على السيئات بسبب الخصلة الحميدة أم قلبها حسنات والإثابة عليها‏؟‏ كل محتمل وظاهر قوله تعالى ‏{‏فأولئك يبدل اللّه سيئاتهم حسنات‏}‏ يرجح الثاني وإذا كان هذا فيمن حوى خصلة واحدة من الخصال الحميدة فما بالك بمن حوى على خصال كثيرة من ذلك اهـ- وطهور الرجل‏)‏ بضم الطاء أي وضوؤه وغسله من الجنابة ومن الخبث ‏(‏لصلاته‏)‏ أي لأجلها ‏(‏يكفر اللّه به ذنوبه‏)‏ أي صغائره ‏(‏وتبقى صلاته له نافلة‏)‏ أي زيادة في الأجر وإذا كان هذا في خصلة واحدة فكيف إذا اجتمع فيه خصال كثيرة ومقصود الحديث أن الطهارة من حدث أو خبث للقيام إلى الصلاة فرضها ونفلها يكفر اللّه به الخطايا والمراد بها الصغائر لا الكبائر كما سيجيء تحقيقه وظاهر الحديث أن الوضوء المجدد ليس من المكفرات والنفل التطوع ومنه نافلة الصلاة كما في الصحاح وغيره وقال الزمخشري‏:‏ تنفل المصلي تطوع وهو يصلي النافلة والنوافل وتنفل على أصحابه أخذ من النفل أكثر مما أخذوا‏.‏

- ‏(‏ع طس هب عن أنس‏)‏ قال الهيثمي فيه بشار بن الحكم ضعفه أبو زرعة وابن حبان وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به‏.‏

1966 - ‏(‏إن الدال على الخير كفاعله‏)‏ يعني في مطلق حصول الثواب وإن اختلف الكم والكيف كما يأتي قال الراغب‏:‏ والدلالة ما يتوصل به إلى معرفة الشيء وقال الزمخشري‏:‏ دللته على الطريق أهديته إليه قال ومن المجاز الدال على الخير كفاعله ودله على الصراط المستقيم اهـ‏.‏ ويدخل في ذلك دخولاً أولياً أولوياً من يعلم الناس العلم الشرعي بتدريس أو افتاء‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ واستغربه ‏(‏عن أنس‏)‏ قال جاء النبي صلى اللّه عليه وسلم رجل يستحمله فلم يجد ما يحمله فدله على آخر فحمله فأتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبره فذكره وهذا رواه أحمد أيضاً قال الهيثمي‏:‏ وفيه ضعف ومع ضعفه لم يسم الرجل- قيل أوحى اللّه جل جلاله إلى داود عليه الصلاة والسلام يا داود إن كنت تحبني فأخرج حب الدنيا من قلبك فإن حبي وحبها لا يجتمعان في قلب واحد، ذكره الفشني-

1967 - ‏(‏إن الدنيا ملعونة-قال العلقمي قال الدميري قال أبو العباس القرطبي لا يفهم من هذا الحديث إباحة لعن الدنيا وسبها مطلقاً لما روينا من حديث أبي موسى الأشعري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا تسبوا الدنيا فنعم مطية المؤمن الدنيا عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر وإذا قال العبد لعن اللّه الدنيا قالت الدنيا لعن اللّه أعصانا لربه وهذا يقتضي المنع من سب الدنيا ولعنها ووجه الجمع بينهما أن المباح لعنه من الدنيا ما كان مبعداً عن اللّه وشاغلاً عنه كما قال بعض السلف كل ما شغلك عن اللّه من مال وولد فهو عليك مشؤوم وهو الذي نبه على ذمه بقوله تعالى ‏{‏إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد‏}‏، وأما ما كان من الدنيا يقرب من اللّه ويعين على عبادة اللّه جل جلاله فهو المحمود بكل لسان والمحبوب لكل إنسان فمثل هذا لا يسب بل يرغب فيه ويحب وإليه الإشارة بقوله صلى اللّه عليه وسلم إلا ذكر اللّه وما والاه اهـ-‏)‏ أي مطرودة مبعودة عن اللّه تعالى فإنه ما نظر إليها منذ خلقها ‏(‏ملعون ما فيها‏)‏ مما شغل عن ‏[‏ص 327‏]‏ اللّه تعالى وأبعد عنه لا ما قرب إليه فإنه محمود محبوب كما أشار إليه قوله ‏(‏إلا ذكر اللّه وما والاه‏)‏ أي ما يحبه اللّه من الدنيا وهو العمل الصالح والموالاة المحبة بين اثنين وقد تكون من واحد وهو المراد هنا ‏(‏وعالماً أو متعلماً‏)‏ بنصبهما عطفاً على ذكر اللّه تعالى ووقع للترمذي عالم أو متعلم بلا ألف لا لكونهما مرفوعين لأن الاستثناء من موجب بل لأن عادة كثير من المحدثين اسقاط الألف من الخط قال الحكيم نبه بذكر الدنيا وما معها على أن كل شيء أريد به وجه اللّه فهو مستثنى من اللعنة وما عداه ملعون فالأرض صارت سبباً لمعاصي العباد بما عليها فبعدت عن ربها بذلك إذ هي ملهية لعباده وكلما بعد عن ربه كان منزوع البركة‏.‏

- ‏(‏ت ه‏)‏ في الزهد ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وقال حسن غريب قال المناوي وسندهما جيد‏.‏

1968 - ‏(‏إن الدين‏)‏ بكسر الدال وهو دين الإسلام ‏(‏النصيحة‏)‏-ما ذكر من الأوصاف في النصيحة للّه فإنها راجعة إلى العبد في نصحه نفسه فإن اللّه غني عن نصح الناصح، ولكتابه‏:‏ أي بالإيمان به بأنه كلامه تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق ولا يقدر على مثله أحد وبتعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخشوع عندها وإقامة حروفه في التلاوة والذب عنه عند تأويل المحرفين وطعن الطاعنين والتصديق بما فيه والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه والاعتبار بمواعظه والتفكر في عجائبه والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابهه والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه ونشر علومه والدعاء إليه وإلى ما ذكرنا من نصيحته، ولرسوله صلى اللّه عليه وسلم أي بالإيمان بجميع ما جاء به وطاعته في أمره ونهيه وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه وإحياء طريقته وسنته ونفي التهمة عنها والتفهم في معانيها والدعاء إليها وإجلالها والتأدب عند قراءتها والإمساك عند الكلام فيها بغير علم وإجلال أهلها لانتسابهم إليها والتخلق بأخلاقه صلى اللّه عليه وسلم ومحبة أهل بيته وأصحابه رضوان اللّه عليهم أجمعين ومجانبة من ابتدع في سنته أو تعرض لأحد من أصحابه رضوان اللّه عليهم، ولأئمة المسلمين أي بتأليف قلوب الناس لطاعتهم وأداء الصدقات لهم كما ذكر المناوي وهذا على أن المراد بالأئمة الولاة وقيل هم العلماء فنصيحتهم قبول ما رووه وتقليدهم في الأحكام وحسن الظن بهم، وعامتهم كما في الشرح إلى أن قال وتوقير كبيرهم ورحمة صغيرهم والذب عن أموالهم وأعراضهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه وحثهم على التخلق بجميع ما ذكر من أنواع النصيحة قال ابن بطال في هذا الحديث أن النصيحة تسمى ديناً وإسلاماً وأن الدين يقع على العمل كما يقع على الفعل قال النووي والنصيحة فرض كفاية وهي لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على نفسه المكروه فإن خشي أذى فهو في سعة اللّه اهـ- أي هو عماده وقوامه‏:‏ كالحج عرفة، فالحصر مجازي بل حقيقي فالنصيحة لم تبق من الدين شيئاً كما سيجيء، قال بعض وهي تحري الإخلاص قولاً وفعلاً وبذل الجهد في إصلاح المنصوح له، وهذه الكلمة مع وجازتها في كلامهم أجمع منها، ثم لما حكم بأن النصيحة ‏[‏ص 328‏]‏ هي الدين قال مفسراً مبيناً ‏(‏للّه‏)‏ بالإيمان به ونفي الشريك ووصفه بجميع صفات الكمال والجلال وتنزيهه عن جميع ما لا كمال فيه وتجنب معصيته والحب والبغض فيه والاعتراف بنعمته وشكره عليها والشفقة على خلقه والدعاء إلى ذلك، فمن النصيحة للّه أن لا تدخل في صفاته ما ليس منها ولا تنسب إليه ما ليس له برأيك فتعتقده على خلاف ما هو عليه فإنه غش والأشياء كلها بخلاف الباري تعالى لأنها محدثة وهو قديم وجاهلة وهو عليم وعاجزة وهو قدير وعبيده وهو رب وفقيرة وهو غني ومحتاجة إلى مكان وهو غير محتاج إليه فمن شبهه بشيء من خلقه فقد أدخل الغش في صفاته ولم ينصح له ومن أضاف شيئاً إلى المخلوقات مما هو عليه فقد غشها ‏(‏ولكتابه‏)‏ مفرد مضاف فيعم سائر كتبه وذلك يبذل جهده في الذب عنه من تأويل الجاهلين وانتحال المطالبين بالوقوف عند أحكامه‏.‏ ‏(‏ولرسوله‏)‏ بالإيمان بما جاء به ونصرته حياً وميتاً وإعظام حقه وبث دعوته ونشر سنته والتلطف في تعلمها وتعليمها والتأدب بآدابه وتجنب من تعرض لأحد من آله وأصحابه ‏(‏ولأئمة المسلمين‏)‏ الخلفاء ونوابهم بمعاونتهم على الحق وإطاعتهم فيه وأمرهم به وتذكيرهم برفق وإعلامهم بما غفلوا عنه من حق المسلمين وترك الخروج عليهم والدعاء بصلاحهم ‏(‏وعامتهم‏)‏ بإرشادهم لما يصلح أخراهم ودنياهم وكف الأذى عنهم وتعليمهم ما جهلوه وستر عورتهم وسدّ خلتهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وشفقة ونحو ذلك فبدأ أولاً باللّه لأن الدين له حقيقة وثنى بكتابه الصادع ببيان أحكامه المعجز ببديع نظامه وثلث بما يتلو كلامه في الرتبة وهو رسوله الهادي لدينه الموقف على أحكامه المفصل لجمل شريعته وربع بأولي الأمر الذين هم خلفاء الأنبياء القائمون بسنتهم ثم خمس بالتعميم‏.‏

قال ابن عربي‏:‏ إذا عرف من شخص المخالفة واللجاج وأنه إذا دله على أمر فيه نصيحته عمل بخلافه فالنصح عدم النصح بل يشير عليه بخلاف ذلك فيخالفه فيفعل ما ينبغي قال وهذه نصيحة لا يشعر بها كل أحد وهي تسمى علم السياسة فإنه يسوس به النفوس الجموحة الشاردة عن طريق مصالحها قال فمن قلنا إن الناصح في دين اللّه يحتاج إلى علم وعقل وفكر صحيح وروية حسنة واعتدال مزاج وتؤدة فإن لم يكن فيه هذه الخصال فالخطأ أسرع إليه من الإصابة وما في مكارم الأخلاق أدق ولا أخفى ولا أعظم من النصيحة-وإذا رأى من يفسد صلاته ووضوءه أو غير ذلك ولم يعلمه فقد غشه وعليه الإثم قال الشرخبيتي في شرح الأربعين سواء كان هناك غيره يقوم بذلك أم لا وقد ذكر الخطابي ذلك فقال اختلف إذا كان هناك من يشارك في النصيحة فهل يجب عليك النصيحة سواء طلبت منك أم لا كمن رأيته يفسد صلاته فقال الغزالي يجب عليك النصح وقال ابن العربي لا يجب والأول هو المرجح عند الأكثر وتسن أن تكون النصيحة باللين والرفق قال الشافعي رضي اللّه تعالى عنه من وعظ أخاه سراً فقد نصحه ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه وقال الفضيل‏:‏ المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير وقد حكى أن الحسن والحسين رضي اللّه عنهما وعن والديهما وعلى جدهما أفضل الصلاة وأتم التسليم مرّا بشخص يفسد وضوءه فقال أحدهما لأخيه تعال نرشد هذا الشيخ فقالا يا شيخ إنا نريد أن نتوضأ بين يديك حتى تنظر إلينا وتعلم من يحسن منا الوضوء ومن لا يحسنه ففعلا ذلك فلما فرغا من وضوئهما قال أنا واللّه الذي لا أحسن الوضوء وأما أنتما فكل واحد منكما يحسن وضوءه، فانتفع بذلك منهما من غير تعنت ولا توبيخ - ‏(‏حم م‏)‏ في الإيمان ‏(‏د‏)‏ في الأدب ‏(‏ن‏)‏ في البيعة كلهم ‏(‏عن تميم‏)‏ بن أوس ‏(‏الداري‏)‏ نسبة إلى الدار ابن هانئ بطن من لحم كان نصرانياً فوفد على النبي صلى اللّه عليه وسلم وكان صاحب ليل وقرآن قال أنس اشترى حلة بألف يخرج فيها إلى الصلاة وهو أول من قص بإذن عمر ‏(‏ت ن عن أبي هريرة حم عن ابن عباس‏)‏ قالوا هذا الحديث وإن أوجز لفظاً أطنب معنى لأن سائر الأحكام داخلة تحت كلمة منه وهي لكتابه لاشتماله على أمور الدين أصلاً وفرعاً وعملاً واعتقاداً فمن آمن به وعمل بمضمونه جمع الشريعة بأسرها ‏{‏ما فرطنا في الكتاب من شيء‏}‏ ولم يوفه حقه من جعله ربع الإسلام بل هو الكل‏.‏

‏[‏ص 329‏]‏ 1969 - ‏(‏إن الدين‏)‏ بكسر الدال ‏(‏يسر‏)‏ أي دين الإسلام ذو يسر نقيض العسر أو هو يسر مبالغة لشدة اليسر وكثرته كأنه نفسه بالنسبة للأديان قبله لرفع الإصر عن الأمة ‏(‏ولن يشاد‏)‏ أي يقاوم ‏(‏الدين أحد إلا غلبه‏)‏-قال ابن المنير في هذا الحديث علم من أعلام النبوة فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل منتطع في الدين ينقطع اهـ قال في الفتح وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة فإنه من الأمور المحمودة بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال والمبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلي الليل ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح أي عن وقت الفضيلة إلى أن خرج الوقت وفي حديث محمد بن الأذرع عند أحمد إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمبالغة وخير دينكم أيسره، وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع كمن يترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضي به استعمال الماء إلى حصول الضرر وليس في الدين على هذه الرواية إلا التعصب وفي رواية ولن يشاد الدين إلا غلبه بإضمار الفاعل للعلم به وحكى صاحب المطالع أن أكثر الروايات برفع الدين على أن يشاد مبني لما لم يسم فاعله وعارضه النووي بأن أكثر الروايات بالنصب قال ابن حجر ويجمع بين كلاميهما بالنسبة إلى روايات المشارقة والمغاربة- أي لا يتعمق أحد في العبادة ويترك الرفق كالرهبان في الصوامع إلا عجز فغلب عليه العبد من العجز والمعبود من عظم الأمر وليس المراد ترك طلب الأكمل في العبادة فإنه محمود بل منع الإفراط المؤدي للملال وأعلم أن لفظة أحد ثابتة في خط المؤلف وهي ساقطة في جمهور نسخ البخاري قال ابن حجر في روايتنا بإسقاط الفاعل وثبت في رواية ابن السكن وفي رواية الأصيلي وعليه فالدين منصوب وأما على رواية الجمهور فروي بنصبه على المفعولية وأضمر الفاعل للعلم به وروي برفعه وبناء يشاد لما لم يسم فاعله ذكره في المطالع ورده النووي بأن أكثر الروايات بالنصب وجمع بأنه بالنسبة لرواية المغاربة والمشارقة ‏(‏فسددوا‏)‏ الزموا السداد وهو الصواب بلا إفراط وبلا تفريط ‏(‏وقاربوا‏)‏ بموحدة تحتية لا بنون أي لا تبلغوا النهاية بل تقربوا منها ‏(‏وأبشروا‏)‏ بهمزة قطع قال الكرماني‏:‏ وجاء في لغة أبشروا بضم الشين من البشر بمعنى الإبشار أي أبشروا بالثواب على العمل الدائم وإن قل وأبهم المبشر به تعظيماً وتفخيماً ‏(‏واستعينوا بالغدوة والروحة‏)‏ بفتح أولهما أي واستعينوا على مداومة العبادة بإيقاعها في وقت النشاط كأول النهار وبعد الزوال وأصل الغدوة السير أول النهار والروحة السير بعد الزوال ‏(‏وشيء من الدلجة‏)‏ بضم وسكون قال الزركشي والكرماني كذا الرواية ويجوز فتحهما لغة أي واستعينوا عليها بإيقاعها آخر الليل أو والليل كله بدليل تعبيره بالتبعيض وهذه أطيب أوقات المسافر لأن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم خاطب مسافراً فنبهه على أوقات نشاطه وحسن هذه الاستعارة أن الدنيا بالحقيقة دار نقلة للآخرة وهذه الأوقات أروح ما يكون فيها البدن للعبد بعض الشراح وقال البيضاوي الروحة والغدوة والدلجة استعير بها عن الصلاة في هذه الأوقات لأنها سلوك وانتقال من العادة إلى العبادة ومن الطبيعة إلى الشريعة ومن الغيبة إلى الحضور وقال الكرماني كأن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم يخاطب مسافراً انقطع طريقه إلى مقصده فنبهه إلى أوقات نشاطه التي ترك فيها عمله لأن هذه أوقات المسافر على الحقيقة فالدنيا دار نقلة وطريق إلى الآخرة فنبه الأمة على اغتنام أوقات فرضهم‏.‏

- ‏(‏خ ن‏)‏ في الإيمان ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال جمع هذا الحديث من جوامع الكلم‏.‏

‏[‏ص 330‏]‏ 1970 - ‏(‏إن الذكر في سبيل اللّه يضعف‏)‏ بالتضعيف وتركه ‏(‏فوق النفقة سبع مئة ضعف‏)‏ أي أجر ذكر اللّه في الجهاد يعدل ثواب النفقة فيه ويزيد سبع مئة ضعف وهذا تنويه عظيم بشأن الذكر وتفخيم بليغ لفضله وتحذير من إهماله فإنه أحد السلاحين بل أحد السنانين‏.‏

- ‏(‏حم طب عن معاذ بن أنس‏)‏ الجهني والد سهل‏.‏

1971 - ‏(‏إن الرجل‏)‏ -وسببه عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا فلما مال أي رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وبعد فراغ القتال في ذلك اليوم وفي أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا تبعها يضربها بسيفه وشاذة وفاذة بتشديد المعجمة‏:‏ ما انفرد عن الجماعة، وهما صفة لمحذوف أي نسمة شاذة ولا فاذة - فقال - أي بعض القوم - ما أجزأ اليوم أحد كما أجزأ فلان - أي ما أغنى - فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أما إنه من أهل النار فقال رجل أنا أصاحبه قال فخرج معه كلما وقف وقف معه فإذا أسرع أسرع معه قال فجرح الرجل جرحاً شديداً فاستعجل الموت فجعل نصل سيفه بالأرض وذؤابته بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه فخرج الرجل الذي تبعه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال أشهد أنك رسول اللّه قال صلى اللّه عليه وآله وسلم وما ذاك‏؟‏ قال الرجل الذي ذكرته آنفاً إنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك فقلت أنا لكم به فخرجت في طلبه ثم جرح جرحاً شديداً فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذؤابته بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إن الرجل فذكره وقد استشكل ما ذكر من كون الرجل من أهل النار بأنه لم يتبين منه إلا قتل نفسه وهو بذلك عاص لا كافر وأجيب بأنه يحتمل أن يكون النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم اطلع على كفره في الباطن وأنه استحل قتل نفسه اهـ- بضم الجيم وفيه لغة بسكونها وذكر الرجل وصف طردي والمراد المكلف رجلاً أم امرأة إنسياً أم جنياً وكذا يقال فيما بعده ‏(‏ليعمل عمل‏)‏ أهل ‏(‏الجنة‏)‏ من الطاعات ‏(‏فيما يبدو للناس‏)‏ أي فيما يظهر لهم -قال العلقمي قال شيخ شيوخنا هو محمول علي المنافق والمرائي اهـ- قال الزركشي وهذه زيادة حسنة ترفع الإشكال من الحديث ‏(‏وهو من أهل النار‏)‏ بسبب دسيسة باطنة لا يطلع الناس عليها-كما وقع لبرصيصاً العابد، حكي أنه كان له ستون ألفاً من التلامذة وكانوا يمشون في الهواء وكان يعبد اللّه تعالى حتى تعجبت منه الملائكة فقال لهم اللّه تعالى لماذا تتعجبون منه إني أعلم ما لا تعلمون في علمي أنه يكفر ويدخل النار أبد الآبدين فكان الأمر كما قال اللّه تعالى، وقصته مشهورة‏.‏ وكسحرة فرعون عاشوا كفاراً ثم ختم لهم بالإيمان، قال قتادة كانوا أول النهار كفاراً سحرة وفي آخره شهداء بررة، ثم إن من لطف اللّه تعالى وسعة رحمته أن انقلاب الناس من الشر إلى الخير كثير وأما انقلابهم من الخير إلى الشر ففي غاية الندرة ونهاية القلة ولا يكون إلا لمن أصر على الكبائر‏.‏ قال بعضهم ومن علامة البشرى للميت أن يصفر وجهه ويعرق جبينه وتذرف عيناه دموعاً، ومن علامات السوء والعياذ باللّه أن تحمر عيناه وتزبد شفتاه ويغط كغطيط البكر اهـ- ‏(‏وإن الرجل ليعمل عمل‏)‏ أهل ‏(‏النار‏)‏ من المعاصي ‏(‏فيما يبدو‏)‏ أي يظهر ‏(‏للناس وهو من أهل الجنة‏)‏ لخصلة خير خفية تغلب عليه آخر أثر عمره فتوجب حسن الخاتمة أما باعتبار ما في نفس الأمر فالأول لم يصح له عمل قط لأنه كافر باطناً وأما الثاني فعمله الذي لا يحتاج لنية صحيح وما يحتاجها باطل من حيث عدم وجودها، قال النووي فيه التحذير من الاغترار ‏[‏ص 331‏]‏ بالأعمال وأن لا يتكل عليها ولا يركن إليها مخافة من انقلاب الحال للقدر السابق وكذا ينبغي للعاصي أن لا يقنط من رحمة ربه‏.‏

- ‏(‏ق عن سهل‏)‏ بن سعد الساعدي ‏(‏زاد خ‏)‏ في روايته على مسلم ‏(‏وإنما الأعمال بخواتيمها‏)‏ فعلى الخاتمة سعادة الآخرة وشقاوتها، قيل ولا تنكشف إلا بدخول الجنة وقيل بل تستبين في أول منازل الآخرة وقال الزمخشري‏:‏ هذا تذييل للكلام السابق مشتمل على معناه لمزيد التقدير أي إن العمل السابق غير معتبر والمعتبر العمل الذي ختم به اهـ‏.‏

1972 - ‏(‏إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له عمله بعمل أهل النار‏)‏ أي يعمل عمل أهل النار في آخر عمره فيدخلها قال الأكمل والزمن الطويل هو مدة العمر وهو منصوب على الظرفية ‏(‏وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار ثم يختم له بعمل أهل الجنة‏)‏ أي يعمل عمل أهل الجنة في آخر عمره فيدخلها واقتصر هنا على ذين مع أن الأقسام أربعة لظهور حكم القسمين الآخرين من عمل بعمل أهل الجنة والنار من أول عمره إلى آخره وقد اختلف السلف فمنهم من راعى حكم السابقة وجعلها نصب عينه ومنهم من راعى حكم الخاتمة وجعلها نصب عينه قيل والأول أولى لأنه تعالى سبق في علمه الأزلي سعيد العالم وشقيه ثم رتب على هذا السبق الخاتمة عند الموت بحسب صلاح العمل وفساده عندها وعلى الخاتمة سعادة الآخرة وشقاوتها‏.‏

- ‏(‏م عن أبي هريرة‏)‏ وفي الباب أنس وابن عمر وعائشة وغيرهم‏.‏

1973 - ‏(‏إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان اللّه تعالى‏)‏ بكسر الراء أي مما يرضيه ويحبه ‏(‏ما‏)‏ نافية ‏(‏يظن أن تبلغ ما بلغت‏)‏ من رضى اللّه بها عنه ‏(‏فيكتب اللّه له بها رضوانه إلى يوم القيامة‏)‏ أي بقية عمره وحتى يلقاه يوم القيامة فيقبض على الإسلام ولا يعذب في قبره ولا يهان في حشره ‏(‏وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط‏)‏ بضم فسكون ‏(‏اللّه‏)‏ أي مما يسخط اللّه أي يغضبه ‏(‏ما يظن أن تبلغ ما بلغت‏)‏ من سخط اللّه ‏(‏فيكتب اللّه بها عليه سخطه إلى يوم القيامة بأن يختم له بالشقاوة ويصير معذباً في قبره مهاناً في حشره حتى يلقاه يوم القيامة فيورده النار وبئس الورد المورود قال الطيبي‏:‏ ومعنى كتبه رضوانه توفيقه لما يرضي اللّه من الطاعات والمسارعة إلى الخيرات فيعيش في الدنيا حميداً وفي البرزخ يصان من عذاب القبر ويفسح له قبره ويقال له نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه ويحشر يوم القيامة سعيداً ويظله اللّه في ظله ثم يلقى بعد ذلك من الكرامة والنعيم المقيم في الجنة ثم يفوز بلقاء اللّه ما كل ذلك دونه وعكسه قوله فيكتب اللّه عليه بها سخطه ونظيره قوله تعالى لإبليس ‏{‏وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين‏}‏ قال الشافعي‏:‏ ينبغي للمرء أن يتفكر فيما يريد أن يتكلم به ويتدبر عاقبته فإن ظهر له أنه خير محقق لا يترتب عليه مفسدة ولا يجرّ إلى منهي عنه أتى به وإلا سكت واختلف في قوله سبحانه وتعالى ‏{‏ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد‏}‏ فقيل يشمل المباح فيكتب وقيل لا يكتب إلا ما فيه ثواب أو عقاب‏.‏

- ‏(‏مالك‏)‏ في الموطأ ‏(‏حم ت ن حب ك‏)‏ من حديث علقمة بن أبي وقاص ‏(‏عن بلال بن الحارث‏)‏ المزني الصحابي وفد على المصطفى صلى اللّه عليه وسلم في مزينة وأقطعه العتيق وأصل ذلك أن علقمة مر برجل من أهل المدينة له شرف وهو جالس بسوق المدينة فقال علقمة ‏[‏ص 332‏]‏ يا فلان إن لك حرمة وإن لك حقاً وإني رأيتك تدخل على هؤلاء الأمراء فتتكلم عندهم وإني سمعت بلال بن الحرث يقول فذكره ثم قال علقمة انظر ويحك ما تقول وما تتكلم به فرب كلام قد منعنيه ما سمعت من ذلك‏.‏

1974 - ‏(‏إن الرجل ليوضع الطعام‏)‏ ومثله الشراب ‏(‏بين يديه‏)‏ ليأكل أو يشرب ‏(‏فما يرفع يده حتى يغفر له‏)‏ قيل يا رسول اللّه وبم ذاك قال ‏(‏يقول بسم اللّه إذا وضع الحمد للّه إذا رفع‏)‏ أي يغفر له بسبب قوله عند ابتداء الأكل بسم اللّه وعند فراغه منه الحمد للّه غفران الصغائر عند الشروع في الأكل والحمد عند الفراغ منه سنة مؤكدة وإنما أناطهما في الحديث بالوضع والرفع لكون الوضع يعقبه الشروع في الأكل بلا فاصل غالباً والفراغ يعقبه الرفع كذلك لأن التسمية والحمد يطلبان عند الوضع والرفع‏.‏